يكثر الحديث بين الحين والاخر في دوائر وقنوات الشبكة العنكبوتية العربية، والليبية على وجه الخصوص، عن ضرورة تقنين التعامل مع الانترنت والنشر الالكتروني. ويدعي مؤيدو هذا المقترح إلى سوء التعامل مع الشبكة والتفاعل اللامسؤول من خلال التعليقات والمقالات التي لا تحمل اسماء حقيقية يمكن محاسبتها.
وقد اقيمت في فترات سابقة مؤتمرات رسمية وغير رسمية الهدف منها المطالبة بوضع قوانين وتشريعات للتحكم بما ينشر على الانترنت، في محاولة على ما يبدو للسيطرة على ما لا يمكن السيطرة عليه.
وعلى رغم من النية الحسنة التي قد يتعامل معها بعض المطالبين بوضع قوانين للنشر الالكتروني، تلك النية الحسنة التي لا تكفي بأي حال للدلالة على الفعل الحسن، فإن اية مطالبة من وجهة نظري لوضع قوانين ولوائح على النشر الالكتروني على غرار اللوائح والقوانين المستعملة على النشر الورقي الصحفي التقليدي سيكون مصيرها ممارسة المزيد من القمع وتكميم الافواه.
اعتقد انه قبل الحديث عن قوانين منظمة للنشر الالكتروني علينا أن ننظر للحالة العامة لحرية التعبير والرأي في بلادنا، من جهة، وحالة قانون النشر والمطبوعات والصحافة والذي ما يزال سبباً مباشراً لتراجع وضع الصحافة في ليبيا. كما ان الدولة التي لا تتمتع بحد ادنى من الحريات العامة وحقوق الانسان وما يزال يعاني افرادها وكتابها وصحفييها من ملاحقات واساليب تم استعارتها من العصور الوسطى، لا يمكن أن نثق في حسن نيتها عندما تطالب بوضع قوانين على الانترنت والنشر الالكتروني بشكل عام، بحجة المحافظة على العادات والتقاليد والاديان ومنع القذف والتشهير، وكل الشعارات المفخمة التي تم ابتذالها.
هذا لا يعني بأنه لا يوجد هناك قوانين تحكم العمل والنشر الالكتروني، سواء على المستوى الدولي أو المحلي، ولكنها جميعاً تنبع من سلوك وثقافة تسعى لحماية الحق الاساسي في حرية التعبير والرأي، وليس العكس، فالثقافة التي لا تزال تتعامل بعين الريبة والشك امام الكلمة المكتوبة اي كان شكلها وتسعى لحماية نفسها للبقاء اطول فترة ممكنة بلا تفويض ديمقراطي، هي ثقافة لا يمكن لها ان تحمي احد افرادها عندما يتعرض للقذف والتشهير والايذاء من قبل مجهولين، بينما تشهر مخالبها وتبرز انيابها عندما يتم التشهير بممارساتها اللاانسانية تجاه افرادها العزل.
الانترنت فضاء حر ومفتوح فلنترك للجميع ان يحلقوا فيه بحرية.. وإن إلى حين.