سؤال لطالما سمعته وقرأته منذ ان انطلقت الثورة الشعبية الليبية قبل ثلاث اشهر. كثيراً ما كان الجدل يدور حول اختيار وسائل الاعلام العالمية تسمية “المتمردون” لوصف المنادين بالحرية والديمقراطية وانهاء حكم نظام القذافي في ليبيا، وقد عبر الكثير من الناشطين الليبيين عن عدم رضاهم بهذه التسمية التي قد تختزل تطلعهم للحرية في بلد لم يعرف شيئاً منها لأكثر من اربع عقود. وبعيداً عن جدلية التسمية التي قد تتغير في المستقبل والتي تعددت من “الثوار” إلى “المتظاهرين” إلى “المعارضة” و”المقاتلون الاحرار”، فإن السؤال الذي مازال يتردد “من هم المتمردون؟”.
السؤال قد ينطوي على معنيين احدهما يبحث بشكل عفوي وبرئ عن التركيبة الاجتماعية والثقافية للمجتمع الليبي الذي اطلق وساند ويواصل مسيرة النضال من أجل الحرية في ليبيا، وهو أيضاً يؤكد حالة التهميش التي عاشها الليبي في بلده وخارجها واختزاله في صورة الديكتاتورية التي حكمت البلاد لعدة اجيال، حتى اصبح الليبي مجرد انعكاس لهذه الحالة المشهوة لتاريخ وثقافة البلاد، إلى أن اصبح من الصعب على الآخر (الاجنبي) فهم الحالة الليبية واستيعاب الانسان الليبي في صورة مغايرة لصورة القمع والارهاب وجنون الحكم المطلق.
إلا أن المعنى الثاني والذي يصبح اكثر حضوراً مع تكرار طرح مثل هذا السؤال حتى بعد مرور عدة اسابيع من انطلاق الانتفاضة الشعبية في ليبيا، وتكوين كيانات سياسية وادارية جديدة للبلاد واللقاءات العديدة التي قام بها اعضاء الادارة الليبية الجديدة مع الحكومات ووسائل الاعلام الدولية، ينطوي على محاولة لقولبة وتنميط الثوار في القوالب الجاهزة من خلال ازمات دولية سابقة، والسؤال قد ينطوي أيضاً على سخرية من قدرة الليبيين بعد عقود من القمع والاستبداد من اقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة، وهو ايضاً، وفي مفارقة ساخرة سمجة، يعكس السؤال الارهابي الهستيري الذي وجهه رأس النظام “من انتم، من أنتم؟!”.
كما أن السؤال قد يرمي إلى ممارسة المزيد من الضغط والابتزاز من قبل دول ومنظمات عالمية لتقديم المزيد من الضمانات وربما التنازلات فيما يخص شكل الحكم وطريقة ادارة البلاد في المستقبل، وهو ما يعكس حالة التردد التي نراها من قبل العديد من الدول الرئيسية في الاعتراف بالادارة الليبية الجديدة كممثل شرعي للشعب الليبي.
يمكنني القول أن الليبيين وفي فترة قياسية اثبتوا قدرتهم على اقامة دولة مدنية حديثة، تسعى إلى أن تكون نموذجاً للحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية في منطقة تشهد تحولات تاريخية غير مسبوقة، واعتقد أن حالة الجدب التام التي عانت منها ليبيا بالمقارنة مع دول الجوار يجعل منها الاكثر تعطشاً وتطلعاً واصراراً على تحقيق دولة المواطنة الحرة والعادلة في فترة قياسية، وربما هذا التفاؤل يعكس الحماس الذي يطبع جيل الشباب في ليبيا، الذي كان وسيظل المحرك الاساسي لتحقيق هذه التطلعات.
وإذا كان الاخر قد اختار تسميتنا “المتمردون” في محاولة لاختزالنا، فإنني لا ارى حرجاً في تبنيها واستعمالها بحسب المعنى الراسخ فينا، ويكفي فخراً أن من بين هؤلاء “المتمردون” كفاءات عالية في جميع المجالات استطاعوا في فترة قصيرة التواصل مع الداخل والخارج لتقديم الصورة الحقيقية للانسان الليبي، وللثقافة والهوية الليبية التي يسعى الجميع في ليبيا لاستعادتها بعد عقود من التدمير والتخريب المتعمد.
المتمردون هم مناضلون قدموا حياتهم من أجل تقديم الحقيقة للعالم عندما كانت وسائل الاعلام العالمية غائبة عن ليبيا بالكامل، مثل (محمد نبوس) الذي كان صوته وصورته القادمة من ليبيا عبر الانترنت ووسائل الاعلام الدولية الاولى التي قدمت للعالم معنى الثورة الليبية.
ومثل صديقي (ربيع شرير) الذي قدم عبر وسائل الاعلام شهادة حية لايام الثورة في مدينة الزاوية قبل أن تقمعها بعنف آلة القتل الارهابية، ربيع الذي اعتقل وعذب من اجل ايصال صوت الحقيقة ومازلنا نسعى إلى أن يطلق سراحه قريباً ليواصل نضاله من اجل ليبيا حرة وعادلة وديمقراطية. ومثل صرخة (ايمان العبيدي) في وجه جلاديها وشجاعتها في مواجهة قمع وتعذيب النظام لفضحه وتقديم صورته البشعة للعالم.
هؤلاء وغيرهم كثر هم الوجه الحقيقي للثورة الشعبية الليبية، هؤلاء وغيرهم من الذي يعملون من خلال مؤسسات المجتمع المدني الذي يشهد تنامياً غير مسبوق في ليبيا، ومن خلال وسائل الاعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية باللغات العربية والانجليزية والامازيغية والتي لم نرى مثيلاً لها في ليبيا، هؤلاء هم المتمردون، الذين ستقع عليهم مسؤولية الحفاظ على مكاسب الثورة الحقيقية، وحماية الفرد والمجتمع الليبي من المتربصين به والذين يريدون لليبيا وللانسان الليبي أن يتوافق مع نمطيتهم وصورتهم المشوهة لنا، واؤلئك الذين يريدون أن نبقى انعكاساً للقمع والاستبداد والارهاب والتخلف.
لذا فيكفينا فخراً أننا متمردون.