تعد رواية الكاتب البريطاني مارك هادون، (الحادثة الغريبة للكلب ليلاً) The Curious Incident of the Dog in the Night-time أحد أهم الروايات الصادرة في العشرية الأخيرة بالمشهد الروائي البريطاني، نظراً للجدل التي أثير حول اللون الأدبي الذي يمكن أن توضع تحته الرواية، فالبعض صنفها، رواية للأطفال كون كاتبها مارس هذا اللون من الكتابة في الإذاعة والتلفزيون لفترة طويلة، وآخرون وضعوها ضمن الكتابة الروائية للبالغين. وكانت الرواية عند صدورها العام 2003 قد ظهرت بطبعتين، الأولى موجهة للكبار والثانية للأطفال. وفازت بجائزة صحيفة الغارديان لرواية الأطفال، وجائزة ويتبريد للكتاب للعام 2004.
الشخصية المركزية للرواية هو فتى في الخامسة عشر من العمر يدعى كريستوفر بوون والذي يقدم لنا بصيغة المتكلم والرواي للقصة، ويدخلنا الكاتب في عالم هذا الفتى حتى أننا نكاد نجزم، لولا أسم المؤلف على غلاف الكتاب، بأن الرواية هي من تأليف كريستوفر بوون والذي ولد بحالة مرضية، هي أحد أنواع أمراض التوحد، تسمي متلازمة (إيسبيرجير) والتي يصف لنا كريستوفر ظواهرها وأعراضها من خلال سرده لحياته وأعماله اليومية، فهو يسكن مع والده في مدينة سويندن الإنجليزية غرب العاصمة لندن، ويذهب إلى مدرسة خاصة بذوي الإحتياجات الخاصة، كما أن لديه ذاكرة تصويرية قوية بإمكانها استيعاب تفاصيل الأمكنة والأشخاص من حوله لذا فإنه يصاب بالتشوش والهلع ما أن يدخل مكاناً يزوره للمرة الأولى، لذا فإنه يتجنب الذهاب إلى أماكن اخرى، عدا البيت والمدرسة وأحياناً بعض النزهات مع والده، كما أن يتمتع بقدرة على حل المعضلات الرياضية المستعصية على الرغم من سنه وإعاقته. وهو ينفر من التعرف على الغرباء، ولا يستطيع أن يلمس أي أحد حتى والديه مباشرةً، وهي جميعها أعراض حقيقية للأطفال المصابين بالتوحد، وهم كذلك لا يستوعبون قدرة الناس على الحوار والثرثرة، كما أنه لا يعرف كيف يكذب أو قول النكت والنوادر.
تبدأ أحداث الرواية بإكتشاف كريستوفر مقتل كلب جارتهم في المنزل المقابل بالشارع ليلاً، حيث يجد شوكة حديقة مغروزة في جسد الكلب ولكنه لا يعرف من تسبب في مقتله، وعلى الرغم من عدم محبته له فإنه ومن خلال شغفه بالقصص البوليسية وحل الألغاز وخاصة قصص المحقق شارلوك هولمز بطل روايات الكاتب الإنجليزي آرثر كونان دويل البوليسية، فإنه يقرر معرفة من تسبب في مقتل الكلب، ويبدأ في تسجيل مغامرته في كتاب أطلق عليه (الحادثة الغريبة للكلب ليلاً) وهي أحد العبارات المأخوذة من روايات شارلوك هولمز. إلا أن هذه المغامرة تجبره على اكتشاف أشياء جديدة في العالم الذي من حوله لم يشأ يوماً، نتيجة لحالته الصحية، أن يعرفها. فهو يتعرف على أناس لم يقابلهم من قبل، كما أنه يكتشف بأن زوج جارتهم صاحبة الكلب المغدور (السيد شيبرز) كانت لديه علاقة غير مشروعة مع أمه والتي يعتقد بأنها توفيت بعد أن أخبره أباه بأنها أصيبت بنوبة قلبية وماتت، ولكنها قررت الهرب مع جارهم إلى مدينة لندن، هرباً من مسؤولياتها في تربية إبنها المريض، إلا أن والده في غمرة غضبه يقرر أن يخبر أبنه أنها قد توفيت ويقوم بإخفاء الرسائل التي بعثت بها الأم إلى ابنها تخبره عن السبب وراء هجرها لمنزلهم، إلا أن كريستوفر يكتشف تلك الرسائل ويتوصل بعد جهد أن أباه كذب عليه، ليعترف الأب أنه هو الشخص الذي قتل كلب الجارة، نكاية فيها وفي زوجها الذي هرب مع أم كريستوفر، ولأن الفتى لا يستوعب لما يقوم البشر بهذه التصرفات، يتوصل إلى أن الأب قد يحاول قتله هو الآخر كما قتل الكلب، لذا فإنه يسعى للهرب من البيت ومن المدينة، على الرغم من عدم قدرته العقلية على فعل ذلك، فهو لم يسبق له الذهاب إلى أي مكان لوحده، إلا أنه يقرر أن يستقل القطار المتوجه إلى مدينة لندن ليزور أمه التي تعيش هناك، وفي مغامرة تجمع بين الطرافة والإثارة يصل كريستوفر إلى الشقة التي تسكنها أمه مع الجار (السيد شييرز)، بعد أن كاد يقضى عليه تحت عجلات قطار الأنفاق في العاصمة الصاخبة. إلا أن أباه يعرف أنه ذهب إلى لندن عند والدته ويحاول أن يستعيد أبنه ولكنه يخشى أن يقتله ك
ما حدث مع الكلب، وفي نهاية المطاف لا يوافق السيد شييرز على بقاء كريستوفر لديهم وتتشاجر أم كريستوفر معه وتتركه مصطحبة معها أبنها إلى مدينتهم (سويندن) حيث تضطر للبقاء بعض الوقت في بيت زوجها السابق إلى حين تدبير مكان للسكن في المدينة، خلالها يحاول الأب التقرب من الأبن من جديد ويكسب ثقته ويواصل دراسته الجامعية في قسم الرياضيات على الرغم من سنه الصغير.
ما حدث مع الكلب، وفي نهاية المطاف لا يوافق السيد شييرز على بقاء كريستوفر لديهم وتتشاجر أم كريستوفر معه وتتركه مصطحبة معها أبنها إلى مدينتهم (سويندن) حيث تضطر للبقاء بعض الوقت في بيت زوجها السابق إلى حين تدبير مكان للسكن في المدينة، خلالها يحاول الأب التقرب من الأبن من جديد ويكسب ثقته ويواصل دراسته الجامعية في قسم الرياضيات على الرغم من سنه الصغير.
تعتبر رواية (الحادثة الغريبة…) أحد الروايات التي تمثل المدرسة الإنتقائية في الكتابة، وفي الفن عموماً، حيث يستعير الكاتب عدة طرق للكتابة السردية، وعدة مدارس فنية لإيصال الفكرة المركزية للرواية، كما أنه يستعين لإيهامنا بحقيقة الشخصية الساردة للرواية فيما يسمى الخيال الذاتي (رواية في قالب السيرة الذاتية) يستعين بالرسومات التوضيحية والخرائط والبراهين والمسائل الرياضية، وكأننا نقرأ كتاباً تعليمياً، وكل هذه الأشياء يسردها كريستوفر بوون، ليبين لنا جوانب أساسية من حياته. كما أنه يرفق الرواية بملحق يتضمن حلولاً لإمتحان الثانوية في الرياضيات الذي يؤديه كريستوفر في نهاية الكتاب. كل هذه التقنيات تستخدم من أجل الايحاء بأن الرواية حقيقية وليست من نسج الخيال وهو ما جعل الكثير من النقاد يحارون في تصنيفها، أهي رواية ذاتية، أم رواية خيالية، أم رواية للأطفال، وربما هذا هو أحد أهم أسباب نجاح الرواية على الرغم من أنها الأولى للكاتب مارك هادون.
ولد مارك هادون العام 1962 في مدينة نورث هامبتون الانجليزية، تخرج من جامعة أوكسفورد العام 1981 وتابع دراسته العليا متحصلاً على الماجيستير في الأدب الإنجليزي من جامعة أدنبرة، ليشتغل في عدة أعمال من بينها عمله مع الأطفال ذوي الأحيتاجات الذهنية الخاصة والتي استفاد منها في خلق شخصية كريستوفر بوون باستحقاق. كما أنه عمل رساماً لكتب الأطفال، ورساماً لسلاسل من الرسوم الساخرة في بعض الصحف البريطانية وهو يقوم برسم وتصميم جميع الكتب التي يصدرها. تخصص منذ نهاية الثمانينات في كتابة قصص الأطفال والفتيان، بدأها العام 1987 وكان آخرها العام 2009، وصدر منها حتى الآن حوالي عشرين كتاباً للفتيان والمراهقين، كما أنه أعد من العام 1996 مجموعة من البرامج التعليمية الموجهة للأطفال لصالح هيئة الإذاعة البريطانية (البي بي سي) وتحصل بها على عدد من الجوائز الهامة. وصدرت رواية (الحادثة الغريبة…) في طبعتين للأطفال والكبار في نفس الوقت. صدر له مجموعة شعرية بعنوان (الحصان المتكلم والفتاة الحزينة، والقرية تحت البحر) العام 2005، وصدرت روايته الثانية العام 2006 بعنوان (بقعة من الازعاج).