ما يزال علماء الفلك، والفيزياء الفلكية، يسابقون الزمن للوصول إلى اماطة المزيد من اللثام عن اسرار اللحظات الاولى من عمر الكون الذي نعيش فيه. فبعد تحقيق الكثير من النجاحات في اثبات نظرية الانفجار العظيم The Big Bang والتي اصبحت اقرب لأحد المسلمات العلمية، والحاق نظرية التضخم الكوني Inflation والتي تفترض أن التسارع في انتشار الكون بعد الانفجار العظيم قد تباطأ مفسحاً المجال لظاهرة الانتفاخ أو التضخم الكوني والتي تفسر ظاهرة تساوي درجة حرارة الكون في كل المناطق والتي لن تحدث في حال استمر الانفجار العظيم بالتسارع الذي سبق افتراضه.
إلا أن معظم الفيزيائيين والفلكيين، والذين يعتمدون بدرجة كبيرة على اثبات هذه النظريات من خلال الحسابات والمعادلات الرياضية المعقدة، بالاضافة لوسائل التقصي الاخرى من مراصد فلكية عملاقة، استطاعت الوصول إلى اقصى حدود الكون المرئي، وتحديد عمر الكون بحوالي 13.7 مليار سنة، وبمقدار 380,000 سنة بعد الانفجار العظيم، لم يستطيعوا بعد تفسير العديد من الظواهر الكونية التي تظهر بين حين وآخر وقد تؤدي في حال إثباتها إلى دحض النظريات الكونية التي اصبحت من المسلمات العلمية.
فبعد الحصول على العديد من الادلة العلمية، التطبيقية والنظرية، حول وجود المادة المعتمة Dark Matter، وهي مادة لا يعرف طبيعة تكوينها، ولا يمكن رصدها مرئياً لأنها لا تعكس الضوء أو أي موجات كهرومغناطيسية، إلا أن وجودها يمكن قياسه من خلال تأثيرها الجاذبي على المادة المرئية في الكون ويعتقد أنها تكونت في الثواني الأولى من عمر الكون بعد الانفجار العظيم، وأنها لا تتبع قواعد الجزيئات الذرية التي تم اكتشافها ورصدها حتى الآن، كما يرجح انها تشكل حوالي 23% من مادة الكون الكلية، بالمقارنة مع 4.6% من المادة المرئية المتعارف عليها، بينما تشكل الطاقة المعتمة حوالي 72% المتبقية من مساحة الكون.
أما الطاقة المعتمة Dark Energy فهي طاقة افتراضية لم يتمكن من رصدها بعد، ولا تتكون من أي من جزيئات المادة العادية المثبتة أو من المادة المعتمة، وتم افتراضها من خلال التسارع الملاحظ في التوسع الكوني، ويعتقد أنها المسؤولة عن انتشار الكون واستمرار حركته في التوسع بشكل متواصل. والطاقة المعتمة تفسر النسق المتسارع للحركة الكونية وبدون وجودها قد يتهاوى التفسير الكامل لأصل الكون من بينها نظرية الانفجار العظيم.
اكتشف العلماء مؤخراً ظاهرة كونية جديدة من خلال رصد حركة مجموعة من المجرات في الك
ون المرئي تبعد 2.5 مليار سنة ضوئية عن الارض (السنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء خلال سنة ارضية واحدة)، ولوحظ أنها تتحرك بسرعة تصل إلى مليون ميل في الساعة وهي الحركة والتي لم يتم تفسيرها من خلال المعطيات المتوفرة عن القوى الكونية التي قد تسبب هذه الحركة السريعة، واطلق العلماء الذين قاموا بهذا البحث، على هذه الحركة (التدفق المعتم) Dark Flow، لعدم تمكنهم من تفسير القوة المسببة لهذه الحركة السريعة للمجرات المرصودة.
ون المرئي تبعد 2.5 مليار سنة ضوئية عن الارض (السنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء خلال سنة ارضية واحدة)، ولوحظ أنها تتحرك بسرعة تصل إلى مليون ميل في الساعة وهي الحركة والتي لم يتم تفسيرها من خلال المعطيات المتوفرة عن القوى الكونية التي قد تسبب هذه الحركة السريعة، واطلق العلماء الذين قاموا بهذا البحث، على هذه الحركة (التدفق المعتم) Dark Flow، لعدم تمكنهم من تفسير القوة المسببة لهذه الحركة السريعة للمجرات المرصودة.
ولكن العديد من العلماء يعتقدون أن المسبب الحقيقي لهذا التدفق السريع للمجرات في كوننا الذي نعيشه يقع خارج حدود الكون المشاهد أو الذي يمكن رصده، أي أن هذه القوة سببها اجسام أو تكوينات تقع في مجال آخر خارج حدود الزمان والمكان للكون الذي نعيش فيه. وهو ما يرجح النظرية الفيزيائية والفلكية التي تفترض أن الكون الذي نعيش به هو واحد من آلاف الاكوان الاخرى التي تكونت بعد الانفجار العظيم والتي تقع في أبعاد أخرى لا يمكن رصدها إلا أن تأثيرها مازال يسبب بعض الظواهر الكونية التي تم اكتشافها حديثاً.
وتفترض نظرية الكون المتعدد Multiverse أن هناك مساحة أكبر من الزمان والمكان الكوني والتي تحوي بداخلها عدد هائل من الاكوان الموازية أو المتعددة والتي تنتشر داخل مساحة هذا الكون المتعدد بدون امكانية للتواصل من الناحية النظرية، وهي الفكرة التي ظهرت منذ اواخر القرن التاسع عشر، والهمت العديد من العلماء والفلاسفة والكتاب الخياليين، إلا أن التطور الحاصل في الفيزياء النظرية وخصوصاً على مستوى نظرية الكم، جعل نظرية الكون المتعدد تحظى بالمزيد من التأييد من قبل علماء الفلك، ولعل الاكتشاف الجديد لظاهرة التدفق المعتم والتي إن ثبت صحة فرضياتها قد تعزز من اهمية التفسير المتعدد للكون الكبير الذي يعتبر كوننا الصغير نسبياً جزءاً منه.