عندما ترتدي حتى الفتيات الصغيرات الحجاب، فإننا بحاجة إلى أن نتسأل عن ما يرمز له تغطية الإناث
قد تكون أزمة آلفية أو رد فعل متأخر لعقود من التاريخ السيئ، ولكن يبدو أن الملايين من المسلمين قد انكفاؤوا على انفسهم، متلهفين لعصر ذهبي متخيل. إنهم يحتقرون قيم الحداثة المرنة واللينة. بعضهم منجذب إلى عقيدة ودعاة رجعيين، في حين أن عددا لا بأس منهم قد ألقى بنفسه إلى الإسلام السياسي لمقاومة ومحاربة الهيمنة الغربية – أو هذا ما يقال.
إنني اتابع، كمسلمة شيعية ممارسة للشعائر الدينية (وإن كان بشكل معيب)، (الطهرانيون) المتشددون الجدد بقلق. وكذلك تتابعهم الاغلبية الصامتة من المسلمين الآخرين في جميع أنحاء العالم، ويرتعدون. لقد جاهد المسلمون من القرن الثامن وحتى أوائل القرن العشرين، من أجل تعليم واسع (كما أمر القرآن)، وتدارسوا التعاليم الفقهية، وكانوا متحمسين للتقدم العلمي، والقيم السياسية والاجتماعية والفنية. ولم يمنعهم حتى الحكم الاستعماري المهين من السير قدما. الآن يسير هؤلاء القهقرى. إن الحجاب، الجلباب، البرقع والنقاب علامات واضحة على هذا التراجع للقيم التقدمية.
هذا المقال سوف يقسم الناس. هناك نساء أحترمهن واحبهن يرتدين الحجاب والجلباب للتعبير عن عقيدتهن وهويتهن. بينما ترتديه اخريات لملاحقة أحلامهن، للحصول على تعليم عال أو وظيفة. بينما تقدم عدد متزايد منهن خطابا سياسيا. أنا لا افتراض أن جميع اشكال الستر تمثل قمعا مبسطا. ما أود قوله أن العديد من النساء الذين يخترن الحجاب، بأي شكل من أشكاله، يفعلن ذلك دون الخوض بشكل كامل في آثاره، دلالته أو تاريخه. إن خيارهن، حتى إذا تم بشكل حر مستقل، ربما لم يدرس بالكامل.
لقد انتقدت النسويات المسلمات في الماضي الحجاب واستنكرنه. أحدهم كان رجلا يدعى قاسم أمين والذي كان قاضيا وفيلسوفا مصريا كتب في العام 1899 كتاب تحرير المرأة. لقد كان يعد جون ستيوارت ميل العالم العربي. بينما قامت هدى شعراوي بتأسيس اتحاد المرأة في اوائل العشرينات من القرن العشرين. لقد قامت في احد ايام العام 1923 وبينما كانت تنزل من قطار في القاهرة، بنزع حجابها، وعبرت عن حقها في أن تكون ظاهرة للعيان. في حين كانت النساء الإيرانيات المتعلمات تأسسن المجلات النسوية وتخرجن في حملات ضد الحجاب في نفس الوقت تقريبا. هؤلاء الرواد والرائدات تعرضوا للمحو من التاريخ أو تم نعتهم بالعمالة للغرب من قبل بعض المفكرين المسلمين المعاصرين.
بعد عقد الستينات التحولي، استأنفت النسويات المسلمات الكفاح من أجل المساواة. كان الحكم الاوروبي قد انتهى. وبدا أنه لقد حان الوقت. الاستاذة الجامعية المغربية فاطمة المرنيسي، المصرية نوال السعداوي والباحثة الباكستانية رفعت حسن كلهن كافحن لتحرير المرأة. لقد وجدن بحق أن الحجاب أداة ورمز للقهر والتبعية. ويعتبر كتاب المرنيسي (ما وراء الحجاب) المنشور عام 1975 النص الامثل. وكذلك كتاب السعداوي (الوجه الخفي لحواء) المنشور العام 1975. ولكن المزيد من المعتقدات الإسلامية المحافظة انتشرت في الأراضي والمجتمعات والأسر، والعقول والقلوب.
لقد تعهد هذا النوع من الدين تابعيه بالعودة الى الثوابت و”طهارة” المعتقد، وهي مهمة دعوية ساندتها السعودية ودول الخليج الأخرى. إن المجددين الديوبنديين، والذين مولهم المال العربي، يديرون الآن المزيد من المساجد في بريطانيا أكثر من أي جماعة إسلامية اخرى. حيث تؤمر النساء بعدم السفر دون اقاربهن الذكور، وبعدم العمل، وأن يكن خانعات، وان يرتدين الحجاب. لقد بدأت هذه الحركة كرد فعل ضد نظام الراجا الهندي وتحولت الى عقيدة أصولية. واليوم تغري مقاومتهم ضد “الإمبريالية الثقافية” العديد من الشباب المسلم المهمش. وهذا ما يفسر جزئيا تزايد شعبية الحجاب، الجلباب والحجاب الكامل.
ولكن الحجاب غالبا ما يذكر في القرآن كمجاز لوصف الحواجز بين الخير والشر، بين المؤمنين وغير المؤمنين. ففي آيتين، تؤمر النساء بأن يغضضن من أبصارهن، ويسترن عوراتهن وصدورهن. وأمر الرجال أيضا بأن يغضوا من أبصارهم، وان يرتدوا ملابس محتشمة. آية واحدة تأمر النساء من أسرة النبي بالحجاب الكامل، وذلك جزئيا لحمايتهم من الأعداء والمريدين.
تقول سحر عامر، الاستاذة المشاركة في جامعة نورث كارولينا، والتي درست هذه الاوامر المقدسة “لا يوجد (أي موضع) يذكر فيه الحجاب لوصف، ناهيك عن إلزام، ضرورة ارتداء النساء المسلمات لغطاء الرأس أو أي قطعة أخرى من الملابس من التي كثيرا ما نراها تغطي النساء في البلدان الإسلامية اليوم. حتى بعد قراءة تلك الاجزاء التي تتعامل مع قواعد لباس الإناث، فإن المرء ما يزال يتساءل ما هو الحجاب بالضبط: هل هو وشاح بسيط؟ عباءة؟ شادور؟ أو شيء آخر؟ أي من اجزاء من الجسد يفترض أن تغطى؟ الشعر فقط؟ الشعر والرقبة؟ الذراعين؟ اليدين؟ القدمين؟ الوجه؟ العينين؟”
الحقيقة أن الحجاب يسبق الإسلام. لقد ارتدته السيدات الزارادشتيات والبيزنطيات من الطبقة العليا لتمييزهن عن الدهماء من العامة. وعندما وصلت جيوش الإسلام أولا إلى بلاد فارس، صدمهم هذا الخيلاء، ثم تبنوا هذا العرف الذي يكرهون، لقد تغلبت فكرة السيطرة على النساء على نفوسهم.
إن جميع الأديان ترى أن النساء آثمات ومغويات. إن الاسلام المحافظ أحيا هذا الافتراء في عصرنا. فيجب عزل النساء أو احتوائهن خشية إثارة شهوة الرجال والتسبب في حالة من الاضطراب العام. وتتحجج بعض الشابات المسلمات بأن الحجاب يحررهن من الثقافة الحديثة التي تشيئ وتجنس الإناث. إن هذه الحجة جذابة، ولكن إذا كانت ذات مصداقية، فلماذا هناك العديد من المحجبات ممن يرتدين سروايل الجينز الضيقة والقمصان اللاصقة، ولماذا تتدافع الكثير من النساء المسلمات لكي يشفطن الدهون أو لاجراء جراحات تجميلية لاثدائهن؟
إن المسألة معقدة: إن الحجاب يمثل بالنسبة لي الغطرسة والقهر الدينيين. كلاهما يجنس ولا يجنس بشدة. ففي المقام الأول ينظر للنساء كمخلوقات جنسية حيث شعرهن واجسادهن تحرض الشهوة والاضطراب في الفضاء العام. إن الادعاء بأن الحجاب حماية للنساء من المجون والاستهتار يحمل شكلا من خداع الذات. لقد حضرت حفلات تخرج رفضت فيها الطالبات المحجبات مصافحة عميد الجامعة. وقد أثارت النساء المحجبات مواجهات بخصوص حقهن في ارتداء الحجاب، في المحاكم، في المدارس والكليات وفي أماكن العمل. ولكنني أعتبر انتصاراتهن كنبذ للعقد الاجتماعي.
إن أكثر شيء مدعاة للقلق هو المسلمات الصغيرات. حيث تأمر الفتيات الصغيرات بإرتداء الحجاب والجلابيب، وتحويلهن إلى كائنات جنسية قبل وقت طويل من سن البلوغ. حتى أنه يمكنك شراء حجاب للرضع يحمل علامات مقلدة مثل كالفين كلاين وفيرساتشي.
بالنسبة لي فإن إمرأة نصف عارية مثلها مثل إمرأة محجبة، تمثل إهانة لكرامة الإناث واستقلالهن الذاتي وقدراتهن. كلاهما كالدمية وتحويان رسائل ضمنية حول الأنوثة. لقد مرت امرأة في عباءة سوداء كاملة، ملثمة وجهها وعينينها، حيث كنت اجلس في حديقة مؤخرا، لكننا لم نستطع الحديث. فقد كانت وراء ذلك النسيج، اكثر منعة من حصن. كان لديها رضيعة في عربة اطفال. وكان ابنها الصغير يركض. هل ستوضع الفتاة في الحجاب، ثم الجلباب؟ هل سيتوقع الابن ذلك من شقيقته وزوجته يوم ما؟ أن لا تدفيء الشمس وجهك ابداً، وأن لا يتخلل النسيم شعرك – هل هذا ما يريده الله؟ ما الذي حدث للتضامن النسوي؟
ولكن هل تفكر اللواتي يخترن التحجب بالنساء في إيران والسعودية وأفغانستان وباكستان والعراق وحتى في الغرب، باللواتي يقمعن، يجلدن، يعذبن أو يقتلن لعدم امتثلاهن؟ هذا ليس خيارا قائما بذاته – ولا يمكن أن يكون كذلك. على الرغم من أننا نسمع من المحجبات والمنقبات البريطانيات المجاهرات، أن اللواتي يجبرن لا يمكنهن رفع صوتهن. في احد المرات زارتني في منزلي خريجة جامعية منقبة بالكامل، غطت جسدها الجروح والحروق والكدمات والعضات. هل نعرف عدد النساء المحجبات المصابات اللواتي يمشين حولنا والمختفيات بيينا؟ إن العنف الجنسي في السعودية وإيران مرتفع بشكل مروع، كما هو الحال مع التشوهات الجسدية.
إن الليبرالية تختبر من قبل الحماسة الإسلامية الجديدة. إن حظرا للحجاب والنقاب على الطريقة الفرنسية سيكون غير حكيما وغير عادلا. لكن يمكن للمؤسسات أن تطبق قواعدا للباس. فموظفة المصرف لا يمكنها أن ترتدي ملابس نوادي العري، ولا يمكن لطفلة ارتداء صدرية لاصقة إلى المدرسة. يجب أن تكون لدينا قواعد وأن نلتزم بها، في حدود المعقول. في عام 1899، حذر قاسم أمين من أنه ما لم يتقبل المسلمين الحداثة والمساواة، فإن المستقبل سيكون قاتما. إننا نعيش هذه القتامة الآن، وهناك قليلون ممن يجرأون على رفع صوتهم للمجاهرة بقيمهم.
_________
* ياسمين اليباي-براون Yasmin Alibhai-Browm: كاتبة وصحفية بريطانية.
** نشر المقال بصحيفة الغارديان البريطانية بتاريخ 20 مارس 2015 (للاطلاع على الاصل الانجليزي هنا).