يبدو أننا قد اعتدنا الفشل والخيبات في مشهدنا الصحفي والاعلامي الليبي حتى أننا بتنا لا نصاب بالخجل والغضب كلما اضيفت خيبة جديدة للركام المتزايد من الدمار المكوم المسمى تيمناً “الصحافة الليبية”. فبعد عقود متوالية من احتكار الوسائل الاعلامية من قبل الدولة أو الحكومة الليبية، كان ظهور بديل اشبه بالمستقل، وإن لم يكن مرضياً، والمتمثل فيما يعرف بصحافة ليبيا الغد، وخاصة مع صدور صحيفتي (أويا) و(قورينا) اليوميتين، صيف العام 2007، حينها استبشر الصحفيين والمثقفين الليبيين خيراً وقاموا بمساندة ودعم هذه التجربة الجديدة على الرغم من تلبيتها للحد الادنى من مطالب تحقيق حرية التعبير ورفع القيود عن الصحافة الليبية التي عانت من التدمير الفوضوي وجعلتها تتراجع بشكل مزري بالمقارنة مع دول المنطقة، شكلاً ومضموناً.
إلا أن تجربة صحافة الغد، عانت كذلك من العديد من امراض الصحافة الليبية الرسمية، اهمها ندرة الكوادر الصحفية المهنية المدربة والقادرة على التعامل مع ابجدية الصحافة الحديثة بعيداً عن ممارسة الرقابة الذاتية التي فرضتها الظروف السياسية في البلاد على الكتاب والمثقفين والصحفيين، مما جعل الصحافة الليبية تختزل في التوجيه والدعاية السياسية، إلى جانب نقلبعض مما تتلقفه من وسائل الاعلام الدولية، مع تحويرات تتلائم وطبيعة النظام السياسي القائم، وهو ما حول العديد من الصحفيين الليبيين الذين عرفوا بتميزهم ونشاطهم إلى مجرد محرري أخبار أو موظفين يتقاضون مرتبات من صحف لا يهمها انتاج الخبر أو البحث عن الحقيقة.
وقد يختلف الكثير من المهتمين بالشأن الاعلامي الليبي في مدى نجاح صحافة الغد في تطوير من تجربة الصحافة الليبية الحديثة، إلا أنها تمكنت في زمن قياسي من تكوين كوادر صحفية شابة حديثة، استطاعت أن تمارس دورها الصحفي بشكل جاد ومتميز في الكثير من الاحيان، وهو ربما ما جعل المواطن يقبل على الحصول عليها واستقاء اخباره من صفحاتها التي تميزت أيضاً بجودتها الفنية النسبية، وهي ربما من الاسباب التي ادت إلى سعي الجهات الحكومية الليبية إلى محاولة لجمها وفي ونهاية المطاف اغلاقها اكثر من مرة، كان أولها مطلع العام 2010 واستمرت لمدة ستة اشهر لتعود الصحف بحلة متجددة في شكل اسبوعي وكان قد سبقها اصدار ملاحق خاصة بصحيفتي أويا وقورينا، إلى جانب تطوير مواقعيهما الالكترونيين.
وكأن الدولة الليبية العتيدة تحاول أن تحطم الارقام في جميع المقاييس الدولية، من مقياس الفساد، إلى مقياس الشفافية، إلى مقياس حرية الصحافة التي ما تزال ليبيا تقبع بتفوق في ذيلها جميعاً، لتدشن مقياساً جديداً وهو مقياس الصحافة المزورة، أو اول عملية سطو صحفي بدرجة امتياز، ففي مطلع شهر نوفمبر 2010 وبعد اسبوع من صدور قرار بايقاف طباعة العدد الاسبوعي من صحيفة أويا التابعة لشركة الغد الاعلامية، ظهرت في السوق الليبي صحيفة تدعي (صباح أويا) تحمل كافة مواد الصحيفة الاصلية وطبعت بدون علم هيئة تحريرها، ليتم بعد حين التخلص من هيئة التحرير بالكامل والسطو على اسم الصحيفة وشعارها واعلن عن هيئة تحرير جديدة لادارتها، وادعت أنها هي الصحيفة الاصلية وأن صحيفة أويا التي صدرت منذ اغسطس 2007 لا تملك شرعية لمواصلة الصدور. وما تزال هذه المزورة تواصل الصدور حتى هذه اللحظة بدعم كامل من الجهات الحكومية الليبية.
قد يعتقد البعض أن هذه قصة ساخرة أو مشهد من مسرحية كوميدية سوداء، إلا أن الليبيين في محاولتهم التهوين والسخرية من هذه الخيبات المتوالية، اصابوا حين قالوا “إللي ما جاش ليبي فاته الجو كله”. ولكن ما يجعلني اصاب بالغضب المستمر أنني اجد من يخرج علينا كل يوم ببدلته
اللامعة وابتسامته الصفراء، وكلماته المحنطة، ليدعي أن الصحافة الليبية تتمتع بالحرية الكاملة وأن الادعاء بأن الصحافة في ليبيا تعاني القمع والتكميم، والآن، التزوير والسطو، هو محاولة لنشر الافكار الهدامة وتشويه سمعة البلاد، واختزال التجربة الصحفية الليبية “الرائدة” في بعض الاحداث الشاذة.
اللامعة وابتسامته الصفراء، وكلماته المحنطة، ليدعي أن الصحافة الليبية تتمتع بالحرية الكاملة وأن الادعاء بأن الصحافة في ليبيا تعاني القمع والتكميم، والآن، التزوير والسطو، هو محاولة لنشر الافكار الهدامة وتشويه سمعة البلاد، واختزال التجربة الصحفية الليبية “الرائدة” في بعض الاحداث الشاذة.
المؤسف أنني لم اجد الكلمات للتعبير عن دهشتي وخيبتي واستيائي مما حدث، عندما حدث، قبل اقل من شهرين، ومازلت حتى هذه اللحظة اجد صعوبة في التعبير عن هذه الخيبة الساخرة، ومازلت اجد من يذكرني بخوفي ورعبي الليبي الوراثي، أو يؤكد شعور اللاجدوى بترديده كلمات مقيتة مغرقة في اللامبالاة. لذا فإنني سأكون مواطناً ليبياً صالحاً وانغمس في ملذات صمتي الجبان.