هل يستطيع احد التحرر من الكتابة عن اهم الاخبار الساخنة التي ترد مرفوقة بشلال من الدماء من ركننا المثخن بالخيبات والهزائم وقلة الحياء والحياة. دولة بوليسية تمارس القرصنة في اعالي البحار، وجماعة من الفاشلين يحاصرون ارضاً بأكلمها ببعض العناد والشعارات الجوفاء، واخرون يتفرجون على شاشات التلفاز بلا مبالاة ويخرجون في المظاهرات بلا مبالاة، ويحرقون الاعلام السداسية والشريطية بلا مبالاة، ثم يذهبون للنوم بعد أن اوكلوا مهمة العقاب والانتقام لرجل غاضب في السماء بلا مبالاة.
دم الضحايا يصرخ للتحرر من الموت، ويتسألون هل عليهم أن يقدموا كقرابين لمراسلي الوكالات والقنوات الاخبارية العربية والدولية ليكون للمأساة وقع أقوى، لكي تتفطر قلوب المشاهدين، ولكي ينسوا معاناتهم للحصول على ضروريات الحياة في أوطان أصبحت كالمنافي لأن لا صوت يعلو فوق صوت الشهداء.
دم الضحية يريد الحياة، يريد أن يكون، يريد أن لا يباع في سوق السياسة الدولي، لا يريد أن تصبغ به الايدي لجموع تسير غاضبة في مسيرة لا تعرف إلى أين تسير. البعض سيقول أنهم عشرة وأخرون يرون المآسي تزداد قوة بارتفاع العدد ليصبح الرقم عشرون، وآخر يتمنى أن يكون من بين الضحايا بعض الاطفال ولم لا يكونون رضعاً، فحتماً سيكون ذلك مدراً للدموع وربما المزيد من الدماء الطازجة.
أنت مطالب بالحزن والكرب والحقد والغضب، حتى لا تثبت عليك تهمة الخيانة، والعمالة، والخذلان. مطالب كل صباح برفع يديك الفارغتين إلى السماء الفارغة وارسال اللعنات الفارغة، بالمحق والسحق، والسحل والنحر، والدمار والانفجار، وعلى الضحية أن تستمر في نزف الدماء، التي حتماً ستكون طاهرة وحتماً ستنضم لقوافل الشهداء.
لماذا على الضحية أن تقدم قرباناً من أجلنا؟ لماذا على الضحية أن تموت؟ ماذا لو أنها كبرت وتعلمت وعملت وتزوجت وانجبت اطفالاً ليسوا مشاريع ضحايا لتغذية رغبتنا في المزيد من المآسي، لماذا لا تكون الضحية، إنساناً يريد أن يحيا ويموت طبيعياً؟ لماذا نطالبها بأن تكون بطلة وشهيدة، وشعاراً نحمله فوق الاكتاف للتعبير عن هزيمتنا وخيبتنا؟!
اسمع صراخهم الأجوف، أولئك الطغاة. وارثو الحديد والنار. آكلو حرية البشر. المستعينون بإله لا يرى، لا يسمع، لا يتكلم. الواقفون أمام الحشود الغاضبة. الملوحون بقبضاتهم الجوفاء في السماء. المتوعدون. اللاعنون. المهددون والمنددون. الجالسون على كراسي قلوبنا منذ عشرات السنين، ونحن نصفق بلا حياء، بلا جدوى.
يصرخ الدم في عروقي أن لا انتصار في وجود الضحايا، أن لا هزيمة في موت عدمي عبثي يمارسه الجميع عليها. ملطخة ايدينا جميعاً بدمائهم. معلقة أرواحهم واجسادهم المبعثرة في رقابنا. لا أحد يملك أن يكون اكثر شرفاً من غيره، الجميع جناة وإن اختلفت التسميات.
span>
دم الضحية ما يزال على الارض يرنو أن يصبح طفلاً يلعب بلا خوف من المجهول. يريد أن يكون مجرد إنسان، ولا شيء غير ذلك. إنسان فقط.