كثيراً ما أمر على بعض المنتديات العربية، وحسابات اعضاء الشبكات الاجتماعية لأفاجأ بأحد الاعضاء يستخدم صورة للزعيم المانيا النازية أدولف هتلر كصورة للبروفيل أو كتوقيع في نهاية المواضيع التي يطرحها مع اضافة عبارة مقتبسة من أقوال أحد اكثر رموز القتل والاجرام في التاريخ الحديث، في محاولة على ما يبدو لنشر الرؤية الفكرية التي يتبناها.
وليس جديداً أن نرى تمجيداً وتهليلاً لشخصية وتاريخ هتلر في التاريخ العربي المعاصر، بل إن آلة الدعاية النازية استمالت العرب منذ بداية الحرب العالمية الثانية، كما أن عدد من الشخصيات العربية السياسية المعروفة في النصف الأول من القرن العشرين قد تبنت النازية وساندت ألمانيا في حربها ضد دول الحلفاء، وذلك ظناً منهم أنهم سوف يتخلصوا من الاستعمار الاوروبي ويقضوا على الوجود اليهودي في فلسطين، ومازال الكثير من المعلقين السياسين العرب يقعون في فخ تمجيد شخصية هتلر واستخدام ادبيات الفكر النازي والفاشي في صراعهم المتواصل ضد “الامبرايالية” و”الصهيونية” عملاً بالمثل المبتذل “عدو عدوي صديقي”.
إلا أن الجديد في هذه الظاهرة الفاشية العربية، هو تحولها إلى فاشية وطنية قطرية، فبدأنا نقرأ من يطالب بأن نكون نازيين وهتلريين في تعاملنا مع أحد مكونات البلد الواحد، بل إن تمجيد الافكار اليمينية الفاشية المتطرفة بلغ مداه بتعليق صور لهتلر في صفحاتهم على الفيس بوك واسباغ صفات الشهامة والنبل والسمو الخلقي وتمجيد انجازه الاجرامي بمحاولته ابادة اليهود في اوروبا، على أكثر شخصية ديكتاتورية عنصرية دموية عرفها التاريخ الحديث.
تبدأ الاشكالية عندما تنعدم الحرية ويفقد الانسان حقوقه ومواطنته، في بلاد اصابها الوهن والترهل نتيجة نظام سياسي شمولي لا يعترف بحقوق المواطنة ويعزز دولة القانون والمساواة والعدالة، وعندما تختلط الأولويات ويصاب المجتمع بحالة من السلبية السوداء ويصبح رد الفعل الوحيد أمام الفرد هو تفادي المواجهة مع اسباب الركود السياسي والاجتماعي الحقيقية في البلاد، نتيجة ثقافة الخوف والعنف الرمزي الكلامي والجسدي المنتشرة في المجتمع، يصبح من السهل على العقل الجماعي أن يوجه اصابع الاتهام لهذه الحالة من الفشل الوطني على جميع المستويات، نحو أي مشاكل عارضة أو ثانوية والاسواء نحو مجموعة معينة من المواطنين أو احد مكونات المجتمع الذين يتمتعون بكامل حقوق المواطنة كونهم اعضاء في هذا الكيان السياسي المسمى الوطن أو البلاد أو الدولة.
وكما كان الحال في أوروبا عشية الحرب العالمية الثانية، من تنامي للافكار الفاشية الوطنية التي ادعت أن سبب انهيار الدولة وهزيمتها هو مجموعة من المواطنين كاليهود أو الشيوعيين، وذلك من أجل تضليل الرأي العام وممارسة سياسة الخوف لاجبار المجتمع على تبني التوجهات الفكرية الوطنية المتطرفة، وهو ما نراه الآن يحدث في الغرب عندما نسمع اصوات اليمين الفاشي المتطرف في دعوته للتخلص من المهاجرين والمواطنين من أصول غير أوروبية أو معتنقي الاديان غير المسيحية، وجميع هذه الدعوات تقابل بالتنديد والشجب واحياناً التجريم من جميع المكونات السياسية والاجتماعية في الدول الاوروبية، وتقابل بالاستنكار والاستغلال الفكري في العالم العربي والاسلامي لتأكيد عنصرية أوروبا وفاشيتها.
إن محاولة تعليق اسباب مشاكلنا، على المهاجرين أو مجموعة اثنية أو عرقية أو دينية تتمتع بحقوق المواطنة الكاملة، والادعاء والتبجح باسطورة طهارة الأصول الوطنية، واستخدام الشعارات الفاشية وتمجيد شخصية تاريخية، يكاد يجمع العالم على شراستها واجرامها، وتقديمها في قالب الوطنية والدفاع عن الدولة والتخلص من الفساد المستشري في المجتمع، هي محاولة تبين تفشي ثقافي الكراهية والحقد في داخل المجتمع، وقد تكون مقدمة للتحريض على ممارسة العنف الرمزي والجسدي، في مجتمع عرف الصراعات القبلية والجهوية التي وصلت في فترات تاريخية سابقة إلى تهجير قبائل بكاملها عن اراضيها، والاستيلاء على أموالها وممتلكاتها بشكل يشبه حروب الجاهلية الغابرة.
إن دولة حديثة العهد ككيان جيوسياسي مثل ليبيا وغيرها من الدول العربية المجاورة، هي نتاج لعشرات السنين من الصراع الحضاري والاستعماري في المنطقة، ومعظمها لم يتكون بشكل طبيعي تلقائي، وهو ما جعلها تشتمل على مكونات قبلية وعرقية ودينية مختلفة، وهو ما تم استغلاله على مر نصف قرن مضى من قبل السلطة السياسية لتعزيز نفوذها وسيطرتها على مقدرات البلاد، وهو ما نراه في تنامي العنف والصراع الداخلي بين هذه المكونات في الكثير من البلدان العربية، وفي الوقت الذي تحتفي فيه اوروبا “العنصرية” بتعدديتها العرقية والدينية والثقافية وتعتبره اثراء وتعزيز لقيم الديمقراطية والتعايش والتسامح، نرى من يرفع صور النازي هتلر، ويدعو إلى أن نكون “فاشيين ونازيين في وطنيتنا” لنتخلص من “الفساد” ونعيد للوطن “طهارته” ونحقق “الرخاء” و”الازدهار”.
____
* مصدر اللوحة المصاحبة لفنان الغرافيتي البريطاني (ريفولتنغ ماس) المناهض للعنصرية والفاشية.