لم اشأ في البداية الدخول في جدل لا طائل منه ويرى البعض أنه نوع من الترف الفكري والعلمي، ولكن ما أوردته قناة الجزيرة عبر موقعها الالكتروني حول الاكتشاف الأخير لهيكل عظمي لكائن شبه انساني اطلق عليه اسم (اردي)، مارست فيه شتى أنواع التضليل وعزفت على الوتر العاطفي الديني الحساس المؤثر على متابعيها في العالم العربي.
الجزيرة، وباقي الوسائل العربية النقلية التي اعادت نشر الخبر وكأن الجزيرة هي مصدر البحث العلمي الذي نشر في مجلة ساينس الامريكية واستغرق من العلماء المشاركين فيه اكثر من خمسة عشر عاماً لإصدار نتائجه، حاولت كعادتها، في اثارة المشاعر الحساسة لمتابعيها، أن توحي بأن الاكتشاف الجديد لهيكل شبه بشري في اثيوبيا يرجع تاريخه لحوالي 4.4 مليون سنة يثبت بأن حقائق داروين في التطور كانت خطأ. فالعبارات الأولى من الخبر اقتطعت بعض ما قاله العلماء من سياقها وتم ترجمتها بشكل سيء والحقت بتحليل غير برئ لما تم اكتشافه.
وهنا لن ادخل في تحليل علمي لما تم اكتشافه فذلك سيحين وقته مع الاحتفال بمرور 150 عاماً لصدور الطبعة الاولى من كتاب داروين (أصل الانواع) الشهر القادم مع تقرير عن جولة في مركز داروين الذي افتتح في العاصمة البريطانية لندن شهر سبتمبر الماضي.
ولكن يكفي القول أن تشارلز داروين والتطور لم يفترض أن الانسان تطور من القرد بشكل مباشر كما أن النظرية تم اختزالها من قبل مناوئيها في فترات سابقة في عبارة “أن أصل الانسان قرد” التي لم يسجل ان داروين أو اي من العلماء اللاحقين قد استعملها، كما أن لا أحد من العلماء الذين شاركوا في الاكتشاف الجديد ولا احد من علماء التطور ينكر او ينفي أو اثبت خطأ حقائق النشوء والارتقاء لداروين بل إنهم كانوا سعداء أن هذا الاكتشاف الجديد اماط اللثام على جانب جديد من التاريخ الانساني القديم وأنه عزز وأكد صحة النظريات والحقائق المختلفة للتطور.
كما أنه وضع المزيد من اشارات الاستفهام حول المرحلة الفاصلة في تطور القردة العليا Apes مثل الشمبانزي والغوريلا والاشكال الانسانية الاخرى Hominids والتي من بينها اردي Ardipithecus ramidus، ولوسي Australopithecus afarensis وكان الجدل الجديد حولها بين العلماء هو مدى تشابهها مع الشمبانزي أو مع الاشكال الانسانية اللاحقة ولم يكن النقاش حول مدى صحة التطور والنشوء والارتقاء فهذا امر اصبح مسلمة مفروغ منها، ولكن الاجابة التي يبحث عنها العلماء هي متى انفصل التطور الانساني لما هو عليه الآن وكيف كان شكل الجد الأول لكلا من الانسان والقردة العليا والتي بدورها جميعاً ترجع بأصولها لأشكال حيوانية أخرى في شجرة التطور. ولمن أراد بعض التفاصيل العلمية حول الاكتشاف الجديد يمكنه الاطلاع على هذا التقرير المختصر للكاتب العلمي براين سواتيك هنــــــــا.
الخبر الذي اوردته الجزيرة كان الوحيد، الذي اوردته وكالات انباء وصحف دولية أخرى نقلت تقريراً حول الاكتشاف الجديد، الذي ذكر أن الاكتشاف الجديد “يطعن بصحة نظرية داروين” وأنه “قدم … دليلا جديدا على أن نظرية داروين في النشوء والارت
قاء كانت خطأ” بينما الوسائل الاعلامية الاخرى ذكرت أن ” أقدم هيكل عظمي يرجح وجود جد واحد للإنسان والقرد” وأن “حفريات تكشف عن جانب من تاريخ البشرية” وغيرها، وجميعها لم تذكر أن الاكتشاف الجديد ينسف التطور لداروين.
قاء كانت خطأ” بينما الوسائل الاعلامية الاخرى ذكرت أن ” أقدم هيكل عظمي يرجح وجود جد واحد للإنسان والقرد” وأن “حفريات تكشف عن جانب من تاريخ البشرية” وغيرها، وجميعها لم تذكر أن الاكتشاف الجديد ينسف التطور لداروين.
يبقى أن الجزيرة وفي معرض تفنيدها للتطور، ومحاولتها اثبات صحة ما اوردته، ارفقت صورة لأحد أنواع القردة من فصيلة المكاكا وكتبت تحتها عبارة تدل على أن الصورة لشمبانزي والذي ينتمي لعائلة مختلفة في التطور لا علاقة لها بأنواع القرود الاخرى إلا في الاصل.
ولي عودة قريبة لدراسة الموضوع الاساسي بعيداً عن هذا الجدل اللامجدي.