للرائحة التي تشوب هذا المساء ما يجعلني احتضن الفراش دون أمل في الاقتراب من النوم، إنه اليوم الثالث عشر وفي رواية متوزاية الثاني عشر، ولكن عند الكائنات التي تعيش في البعد الرابع إنه نفس اليوم الذي لم يتغير منذ البداية التي لم تكن..
انظر له، احدق فيه ملياً، ارغب في الحديث إليه، يقف هناك بالقرب من باب العربة، ينحني بجسده على المسند المخصص للواقفين في قطار الانفاق، انظر له، اتمعن في وجهه الحليق بعناية، في خصلات شعره التي تناثرت بفعل ريح هذا اليوم العاصف. يلقي بنظرة خاطفة إلىّ يركز بصره في عيني المتوارية خلف النظارة، استعد للنطق بشيء ولكنني لا اجد ما يقال، اكتفي بابتسامة واعود من حيث اتيت..
يستيقظ متبعثراً في الظهيرة، يقذف بجسده في الحوض ويترك لرذاذ الماء الدافيء أن يذيبه، لكنه لا يتلاشي، يقف عارياً أمام المرأة، يكتشف أن الصباح قد ترك علامته البارزة على عينيه، اتركه في الصورة واقفاً واخرج بلا جسد يشبهني، يتركني بلا صورة تشبهه.
اتجرع الماء حتى الثمالة، صحراء هذا اليوم لا ترحم والنهار يشمت بالعابسين مثلي، صوت أول القهوة في يد شقراء فاحم شعرها يطعنني، للعطش تأثيره على منطق وترتيب الكلمات، أقف عند منتصف الجملة ولا أجد في فصي الجانبي من الدماغ، مركز الكلام والخطاب، ما استعين به لإكمال باقي حديثي، تكاثرت الشتائم البذيئة عند مفصل المرفق ولكن شيطاني مكبل، أو كما قيل لي، وسأبيع ألف جنة من أجل أن…
تمشي، تمشي، ومازلت تمشي، تبحث عن الحبال والخيوط التي سترتق بها جسدك، تسير في كل شوارع لندن المتراكمة، لا ترى أحداً في الازدحام، لا تلمس يداً، تظل تسير، تفقد القدرة على النطق، لقد استنفدت آخر الكلمات التي تعلمتها، تسمعها وهي تتلاشى في الهواء ولكنك لا تفهم منها شيئاً، اشارة اليد وحدها ما تعينك على الوصول إلى فراشك الذي تحتضنه في هذا المساء المشوب برائحة القلق.
يقول لي ما الذي يحزنك؟!، لماذا لا تمارس الفرح؟!
ابتسم، اضغط على زر الفرح، أرقص في الفضاء الجميل كطائر مرح بألوان زاهية، يضحك قوس قزح بعد المطر، وارفع اصابع نصر مضمغة بالسعادة، أصل لذروة الفرح، اقهقه حباً. هل أنت جاد؟ّ! مزاحك سخيف. اصفعه بشدة، أسك
ب شتائمي فوق رأسه، ازرع قبضتي في فمه، اركل الوغد ألف مرة حتى أتعب، احطم ما تبقى من قلبه، ألقي بجسده في وسط طريق مزدحم بالسيارات، أشعل النار في الرماد..
أعود إلى ركني مضمداً بعض الالم ليوم آخر يدور مكرراً ملله، أرتدي على وجهي عبوساً وقمطريراً يليق ببني جلدتي لهذا المساء المبارك.