ترددت كثيرا قبل ان اكتب هذا الموضوع ففي هذا الزمن الممتلئ بالمزايدات والاحكام المسبقة والتطرف الفكري والنفسي في كل الاتجاهات لا يمكن للمرء ان يجهر بما يعتمل بداخله من افكار واراء قد تكون خارج المعتاد والمألوف أو لنقل مغايرة للسائد والمفروض بالسلطات الكثيرة التي يفرضها المجتمع من حولنا..
ترددت كثيرا لأنني اعلم بأن البعض يعتقد بأنه على صواب دائماً وبأن مجرد الاحساس بقدرته على فرض وجهة نظره باستخدام اشكال الابتزاز العاطفي والديني والاجتماعي ستجعله فوق الجميع.
حدث انه في زمن ليس بالبعيد خرجت الجموع للمطالبة بمقاطعة بضائع قادمة من بلد شمالي على خلفية ما عرف بقضية الرسوم الساخرة، حينها لم يعدم الكثير جهداً للعمل بكافة الوسائل على استمالتك للتوقف عن شراء المنتجات ذاك البلد واتذكر ان ذلك لم يكفهم حينها حتى قدموا قرابين من الشباب في عدد من دول العالم ذهبوا ضحية بضعة صور وكلمة (شهيد) التي اصبحت ملاذ اليائسين من امثالنا.
ترددت كثيرا ولكن الضجيج فوق الاحتمال وما عدت افهم لما علينا ان ندعي أنه باستطاعتنا ان نكون غير ما نحن وان نختلق معارك وهمية مع عدو تم تشبيهه لنا- نحن من سمينا غصباً بجيل الغضب – بقطار الموت الذي لن يرحم احداً في طريقه.
قاطع هذه العلامة التجارية لا تشرب هذا المشروب اياك ان تأكل هذه الجبنة كيف ترضى ان تدفع سعر رصاصة بشرائك هذا الجورب وصور من السادية الممزوجة بالموت تطفو فوق شاشات التلفاز والكومبيوتر بلا وجل، صور لأطفال رضع واخرى اكبر سناً تتساقط اطرافها على كاميرا التصوير وتكاد تندلق على حجرك، تحاول استدرار عطفك وابتزاز مشاعرك انت أيها المتأمر والمتواطئ لأنك ساذج لا تفهم كيف يلعب العدو لعبته من اجل ان يغريك بعرض الحياة الدنيا الفاني من كوكا كولا وستاربكس وماكدونالدز، ونيستله، وبوك، وبالطبع ملابس وطعام ماركس اند سبنسر.
ترددت كثيراً ويبدو انني ساتردد اكثر في كل مرة افتح فيها القنوات والمواقع العربية لتصيبني قذيفة ثورية أو وطنية او قومية اواسلامية ماكرة لأجدني استنجد بالازرار او الفأرة لأعود إلى عالمي الممتلئ بمتناقضات اخرى لكنها اقل فوضوية وعشوائية من تلك التي نعيشها في ركننا من هذا العالم المجنون.
ترددت اخيراً ولكنني لن اندم كثيراً على ما ذكرت لانه في عالم اصبح شعاره ان لم تكن معي فانت ضدي اصبح مجرد ان تغرد خارج السرب او ان تجتر خارج القطيع تهمة تفترض الخيانة والازدراء والطرد من رحمة الاخر.
اشجب وادين واندد واقاطع واقطع ملابسي وانتف شعري واحثو التراب فوق رأسي وارفع يدي داعياً عليهم بالشتات والشلل وكل اصناف الامراض التي حفظتها ثم احرق الاعلام التي اشتريتها بمالي القليل ثم اخرج في المظاهرات وارفع الشعارات ويبح صوتي من اجلهم.. ثم.. اعود إلى ركني محاولاً فك اسطورة الغضب الابدي الذي نعيشه كل يوم ولا فائدة، وافهم حينها أن النفاق الاجتماعي هو ما يسود علاقتنا مع الاخر المع والاخر الضد وأنه لكي اكون علي ان لا اكون.
ترددت كثيراً لكنني لن اكون مثلكم..