منذ الخروج الكبير ونحن نحاول الفرار من الخوض في مسألة ما الذي قدمناه للوطن وما الذي قدمه الوطن لنا، ففي خضم هذه الجدلية اللا مجدية دارت العديد من النقاشات والتي اتجاوز وأسميها كذلك لأننا ببساطة لم نجيد بعد أدب النقاش والحوار الحقيقي وخاصة في مجتمع الأطباء الليبيين المنغلق والجامد. كثيراً ما وجدتني جالساً ببلاهة في مقهى بوسط لندن أو مانشيستير أو ربما طرابلس اتابع الحديث الممل والفج لعدد من الزملاء الذين تعرفت عليهم في هذا المنفى القهري في لندن أو في منفانا الوطني بطرابلس، اتابع بفتور النقاش الذي تختلط فيه الكلمات بالأيدي ولغة الجسد التي نستعملها لتأكيد وجهات نظرنا. الفترة الماضية كثر الحديث حول الأطباء الليبيين ومسألة عدم عودتهم إلى الوطن (سأستخدم مصطلح الوطن رغم أنه تم ابتذال استعماله من قبل العديد من الجهات والتيارات السياسية بغرض الابتزاز العاطفي الرخيص) بعد أن صرف عليهم المجتمع (وهذا مصطلح آخر يتم استعماله ولا يعني بالضرورة مصطلح الوطن) أموالاً كثيرة لاستكمال دراستهم وتدريبهم الطبي التخصصي في بريطانيا وكندا وأمريكا وانحاء أخرى من العالم، وذلك بحسب تغير رياح العلاقات مع هذه الدولة أو تلك، وخاصة بعد القضية التي اثيرت في كندا حول الأطباء الذين يتدربون على حساب المجتمع حيث تحاول الدولة الليبية منع هؤلاء الأطباء من الحصول على عمل بعد انتهاء مدة تدريبهم واجبارهم للعودة لليبيا. البعض يرى أن من حق الدولة أن تطالب أي طبيب مبعوث للدراسات العليا بحقها في المصاريف التي انفقت على دارسته وذلك على شكل العودة للعمل في البلاد في المجال الذي ابتعث من اجله، ويبرر اصحاب هذا الرأي، أن المال المنفق هو مال عام وأن الطبيب الذي يصبح متخصصاً بعد هذه السنوات لن يتسنى له الحصول على عمل بمرتب كبير في هذه الدول المتقدمة بدون هذه الاموال التي صرفت عليه ليصبح متخصصاً وبذا ترتفع فرصة حصوله على عمل في مكان متقدم، ويذهب البعض إلى ابعد من ذلك بنعت الذين يقررون البقاء بالدول التي تدربوا فيها بالخيانة والجحود والعقوق والانتهازية، وأن عليهم أن يعودوا ليساهموا في الرفع من مستوى الخدمات الطبية والصحية في المستشفيات الليبية وهو الغرض الأساسي من ارسالهم للتدرب في الخارج على حساب المجتمع.
على الطرف الآخر من الطاولة هناك الذين يبررون أن من حق الطبيب أن يبقى في الخارج في حالة حصوله على فرصة عمل متقدمة بالدولة التي تدرب بها، ويبررون وجهة نظرهم أن الأموال التي تصرف هي أموال المجتمع الذي هم جزء منه لذا فهي حقهم المادي العادل في الثروة، ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك بقولهم أن في الظروف الحالية من انتشار السرقة والفساد في الأموال العامة في ليبيا فإن ما يصرف عليه هو أقل من حقه في الأموال المهدورة، وأنه أخذ حقه من تلك البلاد وليس لأحد أن يطالبه بتقديم أي شيء للمجتمع أو الوطن أو البلاد أو غيرها من المسميات.
وهناك من يقف في وسط الطاولة ويقول بأن الظروف القاهرة هي التي أدت بالأطباء للخروج للتدرب في الخارج سواء على حساب المجتمع أو على حسابهم الشخصي، ويعددون معضلات الامكانيات المتدنية للمستشفيات الليبية والتدريب المتردي والسنوات التي عملوا فيها بدون مقابل والمرتبات المتدنية واللهث وراء لقمة العيش بلا طائل والحالة الاجتماعية للمواطن الليبي التي تؤدي به إلى التعامل بشكل غير لائق تجاه الأطباء من أبناء وطنهم، كل هذه الأسباب لا تترك مجالاً للخيار لدى الطبيب الليبي والذي في نهاية المطاف هو مجرد انسان وليس ملاك ويحتاج لأن يعيش ويكون أسرة وما إلى ذلك من الكليشهات المتعارف عليها.
وفي خضم هذه الآراء فإن الرابح الأكبر هي تلك الدول التي يسعى الأطباء الليبيين للعمل بها لأنها تتحصل في نهاية المطاف على أطباء بكفاءات عالية ودون أن تكون قد انفقت على تعليمهم وأحياناً تدريبهم جنيهاً واحداً، وفي المقابل تخلو مستشفياتنا الليبية خارج المدن الثلاث الرئيسية (طرابلس – بنغازي – مصراتة) من الأطباء الليبيين وتمتلئ بالفراغ والموت.
على الطرف الآخر من الطاولة هناك الذين يبررون أن من حق الطبيب أن يبقى في الخارج في حالة حصوله على فرصة عمل متقدمة بالدولة التي تدرب بها، ويبررون وجهة نظرهم أن الأموال التي تصرف هي أموال المجتمع الذي هم جزء منه لذا فهي حقهم المادي العادل في الثروة، ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك بقولهم أن في الظروف الحالية من انتشار السرقة والفساد في الأموال العامة في ليبيا فإن ما يصرف عليه هو أقل من حقه في الأموال المهدورة، وأنه أخذ حقه من تلك البلاد وليس لأحد أن يطالبه بتقديم أي شيء للمجتمع أو الوطن أو البلاد أو غيرها من المسميات.
وهناك من يقف في وسط الطاولة ويقول بأن الظروف القاهرة هي التي أدت بالأطباء للخروج للتدرب في الخارج سواء على حساب المجتمع أو على حسابهم الشخصي، ويعددون معضلات الامكانيات المتدنية للمستشفيات الليبية والتدريب المتردي والسنوات التي عملوا فيها بدون مقابل والمرتبات المتدنية واللهث وراء لقمة العيش بلا طائل والحالة الاجتماعية للمواطن الليبي التي تؤدي به إلى التعامل بشكل غير لائق تجاه الأطباء من أبناء وطنهم، كل هذه الأسباب لا تترك مجالاً للخيار لدى الطبيب الليبي والذي في نهاية المطاف هو مجرد انسان وليس ملاك ويحتاج لأن يعيش ويكون أسرة وما إلى ذلك من الكليشهات المتعارف عليها.
وفي خضم هذه الآراء فإن الرابح الأكبر هي تلك الدول التي يسعى الأطباء الليبيين للعمل بها لأنها تتحصل في نهاية المطاف على أطباء بكفاءات عالية ودون أن تكون قد انفقت على تعليمهم وأحياناً تدريبهم جنيهاً واحداً، وفي المقابل تخلو مستشفياتنا الليبية خارج المدن الثلاث الرئيسية (طرابلس – بنغازي – مصراتة) من الأطباء الليبيين وتمتلئ بالفراغ والموت.